لم تمنع الديمقراطية والانتخابات علي عبدالله صالح من إزاحة خصومه بطرق غير ديمقراطية واشعال حرب 1994 ومواصلة 6 حروب في صعدة كان يريد منها أشياء كثرة ليس بينها هزيمة الحوثي.
فلا يحدثني أحد عن صمود الحوثيين وانتصارهم، لقد كانوا يحصلون من الطرف الأخر في الحرب على كل الدعم اللازم ليستمروا في جهادهم ضد أمريكا وإسرائيل اليمنيتين!
لم تمنع الديمقراطية علي صالح من منح ثروات البلاد لأشخاص، ولم تمنعه من القضاء على فرص المواطنة المتساوية، وتمكين أسوأ من في البلاد على حساب كوادر أكثر كفاءة ونزاهة، ولم تمنعه من قمع الحريات، والتعريض بالخصوم حتى بتلفيق تهم أخلاقية لهم.
ولن تمنع الديمقراطية والانتخابات والنظام الجمهورية أيضا أيا من جماعات النفوذ اليوم من امضاء مزاجها الشخصي وخياراتها كبديل لكل شيء حتى الله.
هذا لا يعني أن الديمقراطية والانتخابات أمر لا يستحق الحديث، لكن ما لم تكن هناك مؤسسات دولة ضامنة، وفعل مدني حقيقي لبناء دولة، لا يمكن تصديق خطب هؤلاء حول الانتخابات والديمقراطية والسجل الانتخابي، إن تصديقهم هو مواصلة استمراء مهانة القبول بأكاذيب نعلم مسبقا أنها أكاذيب.
يدفع البعض بأنه حتى تشجيع الأكاذيب حول الإيجابيات أمر جيد قد يثمر ذات يوم (واقسم اني لا اقصد أحدا محددا هنا).
كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ ربما سيشعر ساستنا مثلا بالخجل من اكاذيبهم بالتدريج ثم يفكرون الالتزام بتحقيقها! لم يفعل أيا من حكامنا ذلك على طول فترات حكمهم.
نتصرف كمجبرين، او نحن فعلا مجبرون على انتظار أخلاق ساستنا والطامعين في الحكم.
رغم أنهم لا يدخرون جهدا كل يوم لإثبات كم يفتقرون إلى ذلك.
جماعة الحوثي تحظى بالتشجيع اللازم الآن ضمن عملية إعادة التوازن بين القوى المتصارعة على النفوذ والسلطة والمال والحكم.
لا يوجد حاكم أو حكم يرغب في وجود قوة يمكنها التفاوض معه ناهيك عن وضع الشروط. كيف سيبدو الأمر مع أكثر من حاكم.
والحوثي قوة موجودة على الأرض يمكنها تحقيق الهدف والبقاء ضمن شروط الصفقة.
وفي حال تجاوزها يسهل شيطنة جماعة مسلحة وعنيفة واقصائية، أو سيتم تشجيع الشيطان في الآخر.
يمكنني تفهم صراع القوى سياسيا وبأدوات السياسة، وأفضلهم في حالتنا دون طرف متفرد وناجز النفوذ حتى نتعلم تشارك حياتنا.
لكنهم هنا دون أخلاق، ودون قيود، ولا توجد مؤسسات دولة تضبط إيقاع صراعهم، فتجدهم متحررين من مسؤولياتهم والتزاماتها تجاه الناس، وتجاه حياتنا.
يمكنهم قول ما يحلوا لهم وفعل ما يحلو لهم، يمكنهم الحديث عن الديمقراطية واغتيال الخصوم بنفس الشغف.
الأسواء من كل هذا، يمكنهم المقامرة بنا، لذا لا يتورعون في نقل هذا الصراع إلى القاع، وهدم السلم الاجتماعي، وتحويلنا إلى مجاهدين مسلحين كل له طائفه، أو جماعة، او قبيلة، لكنه دون وطن.
لا يوجد سياسيون لديهم قليل من المسؤولية يمكنهم الاستعانة بالخارج إلى هذا الحد، والتبجح بتبعيتهم، لا يوجد سياسيون محترمون يمكنهم إعلان تقسيم البلاد وتغيير شكل الدولة دون حتى محاولة الاستفتاء على قرار بهذا الحجم!
من يتحدث عن الديمقراطية والمساواة والانتخابات والعدالة أكثر من الحكام العرب، رغم أنها ديمقراطية دون حزب حاكم بديل، وانتخابات لا تغير حزب حاكم، ومساواة تجعل من حق البعض أن يحكم على حساب الآخرين.
سأعود إلى البداية، إلى ضجيج قوى اليوم حول الانتخابات والسجل الانتخابي في نفس الوقت الذي تفعل كل ما بوسعها لإلغاء مفهوم الدولة وتدمير وإهانة مؤسساتها كل يوم منذ قرابة ثلاث سنوات.
تحجج الإصلاح بالسجل الانتخابي أمدا طويلا، فيما يبطل اداءه قيام معارضة حقيقية، لم يكن يكترث فهو في كل الأحوال “الرجل الثاني”! حتى أنه تخلى عن مرشح الرئاسة الأبرز السيد فيصل بن شملان، وكان له مرشحه الخاص بحجه سمجه بكل معايير السياسة. والآن يريد الحوثي تكرار الأمر.
في 2009، أجرت المؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية IFES دراسة عملاقة شملت كل المحافظات اليمنية وغطت أكثر من 100 دائرة انتخابية وفحصت عينة عشوائي من السجل الانتخابي شملت أكثر 6000 حالة وماذا كانت النتيجة؟
أبرز النتائج بأن حجم الأخطاء في السجل ليس بمقدورها تغيير أي نتيجة انتخابية، وكانت – النتيجة – دليلا آخر على أن تزوير الانتخابات يتم في مكان آخر يعرفه الإصلاح والمؤتمر والحوثي، والصديق محمد عايش أيضا..
بطاقات الناخبين سليمة، لكنها في يد الشيخ وعاقل الحارة تسلم يوم الاقتراع مقابل “قطمة سكر” أو “كيس قمح”، ويمكننا مؤخرا إضافة “الصرخة”. وهذه ابسط واردأ الوسائل.
من اشكال تزوير الانتخابات الأكثر شيوعا – ويعرفها محمد عايش وأنا واليدومي وصالح، وبمقدور اخرين أكبر سنا اخبار السيد عبدالملك عنها بسهولة، كانت تتم داخل المقار الانتخابية وفي وضح النهار وتحميها القوة وليس شيء آخر.
مثلا يصادر النافذون صناديق الاقتراع، ويغلقو اللجان الانتخابية بعد ساعة من فتحها ليكملوا التصويت بأسماء الناس، أو تعلن النتائج على غير ما قررته لجان الفرز، وفي كل حالة كانت القوة والغلبة هي الحاضرة، وكلما كان “صميلك” سميكا يمكنه إعلان النتيجة التي تريد..
هذه هي انتخاباتهم وديمقراطيتهم، ومن السخف أن تكون هي المحك وما نتحدث عنه مطولا مغفلين ما يحدث عن الأرض من قمع وبسط وسيطرة وتقاسم على حساب قيم الدولة ومؤسساتها بما في ذلك المؤسسة العسكرية، التي يفترض بها الملاذ الأخير لنا.
لا توجد اليوم قوى في اليمن تطالب بقيام الدولة، كلهم يحلمون بمشاريعهم الخاصة، وكلهم يسميها دولة مدنية، وليس بمقدوري التحاذق وتفضيل الحديث المنمق عن الديمقراطية والانتخابات والتنافس بين قوى تحمل في يدها “صميل”.
كل “صميل” مختلف، لكنه يبقى صميلا (هراوة).
بعض هذه القوى تفضل صميل ناري، وقاتل، والبعض صميل من الأرز أو سكر أو كلاهما معا، وقد يضاف إليهما السمن، والبعض يملك المال العام، والبعض يملك المال العام المهدر في دولة أخرى.
مثلا، من سيجرؤ على تنظيم حملة انتخابية في صعدة غير الحوثي؟ والحوثي يريدها: من يجرؤ على تنظيم حملة انتخابية في صعدة وعمران وحجه وذمار غير الحوثي؟
لكن ما يقلقني أكثر هو إلى أي حد يصبح هذا الصراع خطرا وهو ينتقل إلى مواقف الناس وأفكارهم ويشكل نمط حياتهم.
طفل من اقاربي المناصرين للحوثي رد الأسبوع الماضي على مقترح بشأن زواج جده الجديد: “نريد أن تكون زوجته مسلمة وليس من أرحب؟!”
أحد مناصري الحوثي أمس يدافع عن تسامح الحوثي وحرية الفكر في صعدة قائلا: “عليك تحرير عقلك وفكرك وثقافتك من قبضة الإخوان في صنعاء وبعدين زور صعدة وشوف وضع الحريات السياسة والفكرية”!
ذكرني بحوثي آخر قال بأنه مستعد أن يساعدني ويضمن سلامتي إذا أردت العودة إلى صعدة أو زيارتها!.
علي أن اصبح حوثيا لأرى حرية الحوثي، ولم يعد بمقدوري الذهاب إلى منزلي أو التجول في وطني إلا بضمانة شخص آخر!
علينا أن نقلق بشأن جيل ناشئ يعتقد المختلف عنه كافرا! وهؤلاء ليسوا فقط بين الحوثيين.