Quantcast
Channel: الديمقراطية –صحيفة الخبر
Viewing all articles
Browse latest Browse all 34

سياسة الردة على الديمقراطية

$
0
0

كثيرون فسروا النكسات والخيبات التي عرفها بعض ما يعرف بدول الربيع العربي من قبيل ما حصل في مصر بضعف مستوى الوعي السياسي والثقافي لدى فئات عريضة وواسعة من الشعب، بشكل خدم تيار الردة والانقلاب على المسار الديمقراطي.

ومما زاد الطين بلة أن التيار المذكور بقيادة العسكر وظف الخلافات بين الهيئات السياسية والتيارات الفكرية لضرب بعضها ببعض، بل جعل فئة من المواطنين تبغي وتعتدي على فئة أخرى لمجرد الاختلاف السياسي بشعارات خادعة.

لكن الواقع أثبت أن الانقلاب على المسار الديمقراطي سواء في مصر أو ما يجري طبخه في ليبيا لا يمكن تفسيره فقط بضعف مستوى الوعي السياسي والثقافي، وعدم ارتباط جل النخبة المثقفة بالمجتمع وهمومه وعدم تعبيرها عن تطلعاته، بل لارتباط تلك النخبة وجزء كبير من النخبة السياسية بمصالحها الضيقة وعدم امتلاكها الاستقلالية في قرارها لارتباطها بدوائر نفوذ داخلية أو خارجية، ولاستناد دوائر نفوذ داخلية لدعم الخارج ومساندته.

الانقلاب العسكري على الخيار الديمقراطي بمصر لم يكن قرارا داخليا فقط، بل كان للخارج فيه يد ودور مؤثر، لأنه لم يكن انقلابا على تيار سياسي (جماعة الإخوان) التي كان بالإمكان محاسبته على إسقاطه، ومحاسبته على أخطائه وسوء تقديره عبر صناديق الاقتراع، بل كان انقلابا على إرادة الشعب المصري في التحرر من الاستبداد واسترجاع الحق في تقرير مصيره بنفسه، بترتيب مع قوى غربية تعارض ذلك التحرر لأنها ترى فيه تهديدا لمصالحها، لذلك بلعت لسانها بشكل مخز عن انتهاكات صارخة وفاجعة لحقوق الإنسان، وأيدت مسرحية انتخابات رئاسية يديرها العسكر بمساعدة كتائب إعلامية تمارس كل أنواع التدليس والتلبيس على المصريين.

ويبدو أن سيناريو شبيها في طريقه للتكرار في ليبيا، بقيادة خليفة حفتر، القيادي العسكري الذي ساعد العقيد القذافي في الانقلاب على الحكم السنوسي، وقاد هجوما على تشاد، لكنه طلب الإمداد من الزعيم العقيد فلم يجبه، خوفا من انتصاره والانقلاب عليه، فأسر مع مجموعته في تشاد عام 1987 فانخرط في المعارضة، وأسس الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، وترأس جناحها العسكري (الجيش الوطني الليبي) لكن مع تولي إدريس ديبي الحكم بتشاد وتفكيكه لذلك الجيش، نقلت طائرات أميركية -حسب عدد من التقارير الإعلامية- حفتر وبعضا من مجموعته لما يعرف اليوم بالكونغو الديمقراطية، ثم انتقل فيما بعد إلى الولايات المتحدة الأميركية ولم يعد لليبيا إلا بعد ثورة 17 فبراير 2011 التي أسقطت حكم معمر القذافي.

المؤشرات الأولية ومواقف بعض الدول الغربية الغامض من حركة حفتر، تشير إلى أنه لم يتحرك انطلاقا من قرار داخلي، وأن ثمة طبخة تهيأ للخارج يد فيها بحجة محاربة التشدد والإرهاب، والحال أن المسار الديمقراطي ونشر الوعي السياسي والثقافي هو الكفيل بمحاربتهما وضمان الاستقرار الحقيقي والدائم، لأن ارتفاع مستوى الوعي والثقافة بالشكل السليم يخلق في الإنسان الرغبة في الحرية والاستقلال ورفض التبعية، والرغبة في التطور والرقي، ولأن ارتفاع مستوى الوعي والثقافة بالشكل السليم يجعل الإنسان يؤمن بالنسبية ويقبل بالاختلاف والرأي الآخر وحل القضايا الخلافية بالحوار، ويرفض العنف والتطرف بكل ألوانه وأشكاله.

أما سياسة الردة على الديمقراطية التي يظهر أن بعض دول الغرب تدعمها بالانقلابات على إرادة الشعوب في تحرير إرادتها وإفقاد الناس الأمل في التغيير والإصلاح بالطرق السلمية الديمقراطية الحضارية، فهي التي توفر التربة الحاضنة للتطرف والتشدد وما يترتب عنه من كوارث ومصائب.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 34

Trending Articles